ابتلاءات المؤمنين ورزايا الكافرين

دراسة موجزة في بيان خطاب الوحي وإيضاح الفرقفي الحال والمآل لكل من الفريقين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه ، وبعد ،
العدل ومقتضاه شرعا وعقلا :
العدل يقتضي بداهة المساواة بين المتماثلين والتفريق بين المختلفين ، وشتان ثم شتان بين مؤمن وكافر ، مؤمن قال عنه رب العزة جل وعلا : ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ “ ( التوبة : 71 ) ، وكافر قال عنه : ” أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً ” ( الكهف : 102 ) ، فالمؤمن مرحوم برحمة الله تعالى ، والكافر متوعد بجهنم نزلا ومقاما خالدا .
وهناك فرق واضح لا لبس فيه في خطاب الوحي المبين لحال المؤمنين وحال الكافرين في الابتلاءات والمحن التي تصيب كل فريق ، فرق من حيث طبيعة الخطاب نفسه وبيان ألفاظه ومعانيه ، وفرق بين أسباب وأحوال البلايا والمحن ، بل حتى مآلاتها الواقعة على كل منهما .
نصوص الوحي واستفاضتها في بيان الفرق بين أحوال المؤمنين وأحوال الكافرين في البلاء :
نصوص الوحي – كتابا وسنة تحفل ببيان وإيضاح الفارق الهائل بين المؤمنين والكافرين في حال ومآل الابتلاءات والمحن ، وكل ذي نظر سديد وفهم قويم لتلك النصوص يستطيع استبيان الفرق بجلاء ووضوح .
– يقول رب العزة – جل وعلا – : ” وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ “ (آل عمران : 141 )
أي :” يُكَفِّرَ عَنْهُمْ مِنْ ذُنُوبِهِمْ، إِنْ كَانَ لَهُمْ ذُنُوبٌ وَإِلَّا رُفعَ لَهُمْ فِي دَرَجَاتِهِمْ بِحَسَبِ مَا أُصِيبُوا بِه ”
( تفسير ابن كثير ) ، ويهلك الكافرين ويدمرهم بكفرهم وصدهم عن سبيل الله وحربهم للمسلمين .
” والتمحيص يختلف عن المحْق، لأن التمحيص هو تطهير الأشياء وتخليصها من العناصر الضارة، أما المحق فهو الذهاب بها كلها ” ( تفسير الشعراوي ) .
فالله – عز وجل – يبتلي المؤمنين ليطهرهم ، أما الكافرون فيبتليهم الله ليهلكهم ويعذبهم .
– وفي الآية السابقة لها يقول – جل شأنه – : ” إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ” ( آل عمران : 140 ) .
فهل القرح الذي أصاب المسلمين هو نفسه الذي أصاب الكافرين ؟
ربما هي جراح مادية ومعنوية أصابت الفريقين ، ولكن ظاهر الخطاب يدل على تسلية المؤمنين بمصابهم من تلك الجراح ، والحقيقة التي تجليها الآية الكريمة هي الفرق الهائل في المآل بين المصابين والابتلائين ، فليس الأمر مجرد جراح مادية وإصابات وقروح وفقد للأقارب والأحبة ، لا ، فحكمة الله وعدله يقتضيان وجود فروق جوهرية بين الفريقين حالا ومآلا ، ففريق المؤمنين يصطفي الله – تعالى – منه الشهداء ” ويتخذ منكم شهداء ” ، ومعلوم ما للشهيد من أجر عظيم ، فإنه يغفر له ذنبه مع أول دفقة من دمه ، ويأمن الفتان ، ويبشر بمقعده من الجنة ، ويزوج بثنتين وسبعين من الحور العين ، ويشفع في سبعين من أهله ، ويأمن الفزع الأكبر ، وكفى بها نعمة أن يكون مصابه بالشهادة اصطفاء واختيارا من رب العزة – جل في علاه – .
أما الكافر فلا يحبه الله – عز وجل – ، ويطرده من رحمته ، ” والله لا يحب الظالمين ” (والظلم كثيراً ما يذكر في القرآن ويراد به الشرك. بوصفه أظلم الظلم وأقبحه. وفي القرآن: «إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ» .. وفي الصحيحين عن ابن مسعود: أنه قال: قلت: يا رسول الله. أي الذنب أعظم؟ قال: ” أن تجعل لله ندا وهو خلقك ” ، وقد أشار السياق من قبل إلى سنة الله في المكذبين فالآن يقرر أن الله لا يحب الظالمين. فهو توكيد في صورة أخرى لحقيقة ما ينتظر المكذبين الظالمين الذين لا يحبهم الله . والتعبير بأن الله لا يحب الظالمين، يثير في نفس المؤمن بغض الظلم وبغض الظالمين . ) ” في ظلال القرآن ” .

-ويشير القرآن إشارة لطيفة إلى الفرق الهائل بين ابتلاء العصبة المؤمنة وابتلاء العصابة الكافرة : ” إِن تَكُونُواْ تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً ” ( النساء : 104 ) ، فإن كان ألم المعركة الحسي والمعنوي للمؤمنين كذاك للكافرين فالمآل ليس كالمآل ، فالمؤمنون يرجون ما عند الله – تعالى – من الخير والنعيم والرضا ، لذا أمر نبينا صلى الله عليه وسلم عمر – رضي الله عنه – أن يرد على أبي سفيان صياحه عندما قال : ” يوم بيوم بدر والحرب سجال ” ، أمرهم الحبيب أن يقولوا :” لا سواء ، قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ” . فشتان شتان بين الفريقين في الحال والمآل .
-وهل هناك أوضح من بيان نوع ابتلاء قدره الله عذابا على من يشاء من غير المسلمين ، ولكن الله – بعدله ورحمته – جعل ذات الابتلاء رحمة في حق عباده المؤمنين ؟!
صح عن عائشة – رضي الله عنها – أنها ” سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الطاعون ، فأخبرها أنه كان عذابا يبعثه الله – تعالى – على من يشاء ، فجعله الله – تعالى – رحمة للمؤمنين ، فليس من عبد يقع في الطاعون فيمكث في بلده صابرا محتسبا يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد ” . ( البخاري : 5734 ) .
– وفي الصحيحين أنه – صلى الله عليه وسلم – قال : ” ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم ، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ” . ( البخاري : 3477 – مسلم : 2573 ) .
– بل حسم الحبيب – صلى الله عليه وسلم – الأمر حسما حينما بين أن أحوال المؤمن كلها خير إذا ما التزم ما يريده الله – تبارك وتعالى – في تلك الأحوال من الهدي ، فإذا كانت السراء كان الشكر ، وإذا كانت الضراء كان الصبر ، فكان معهما وفيهما الخير كل الخير للمؤمن في الدنيا والآخرة ، وليست تلك المنة العظيمة من الله – تعالى – لأحد إلا لعباده المؤمنين الموحدين .
قال – صلى الله عليه وسلم : ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن : إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ” . ( مسلم : 2999 ) .
والسراء للكافر زيادة نقمة عليه ، فهي نعيم له في الدنيا تعجل بها طيباته ، ويسأل عنها في الآخرة ، فحينما دخل عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – على النبي – صلى الله عليه وسلم – ولم يجد في بيته من المتاع والأثاث إلا القليل ، قال له : “ادع الله فليوسع على أمتك فإن فارس والروم وسع عليهم وأعطوا الدنيا وهم لا يعبدون الله ” وكان النبي متكئا فقال : ” أو في شك أنت يا ابن الخطاب ؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا ” ، فقال الفاروق :” يا رسول الله استغفر لي ” ( البخاري : 2336 ) .

-ولم يبتل الله – تعالى – قوما من الكافرين إلا كان البلاء نقمة عليهم في الدنيا ، وهم بذلك يخسرون الدنيا والآخرة ، فابتلى قوم فرعون بالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ، وابتلى قوم سبأ – حين أعرضوا وكفروا – بسيل العرم وبدلهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل و شيء من سدر قليل ، وابتلى قوم لوط – إلا من آمن معه – بحجارة من السماء مسومة على كل حجر اسم صاحبه لا يسقط إلا عليه فيهلكه بإذن الله ، وابتلى قوم عاد بريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بإذن ربها ، وقبل هؤلاء كلهم ابتلى الله قوم نوح بالطوفان الذي أهلكهم إلا من كان مع نوح من العصبة المؤمنة ،
وما يزال الكفار متوعدين بنزول البلاء والعذاب فوق رءوسهم بسبب كفرهم وإعراضهم عن الهداية وقبيح صنائعهم ، ” وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ ” ( الرعد : 31 ) .
قال ابن كثير – رحمه الله – : ” أي: بسبب تكذيبهم ، لا تزال القوارع تصيبهم في الدنيا ، أو تصيب من حولهم ليتعظوا ويعتبروا ، كما قال تعالى: ” ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون “ [الأحقاف: 27] ” ( تفسير ابن كثير ) .
وقال الشيخ الشعراوي – رحمه الله – : ” أي: اطمئنوا يا أهل الإيمان؛ فلن يظلَّ حال أهل الكفر على ما هو عليه ؛ بل ستصيبهم الكوارث وهم في أماكنهم ، وسيشاهدون بأعينهم كيف ينتشر الإيمان في المواقع التي يسودونها ؛ وتتسع رقعةُ أرض الإيمان، وتضيق رقعة أهل الكفر؛ ثم يأتي نَصْر الله ” ، وقال : ” والقارعة هي الشيء الذي يطرق بعنف على هادئ ساكن ” ( تفسير الشعراوي ) .
-بينما المؤمنون يختلف حالهم اختلافا جذريا عن حال أولئك الكافرين :

قال تعالى : “ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ” ( البقرة : 155 – 157 ) .
وذلك أيضا من الوضوح بمكان في حديث النبي – صلى الله عليه وسلم – في الصحيحين : ” مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها ، فإذا اعتدلت تكفَّأُ بالبلاء ، والفاجر كالأرزة صماء معتدلة حتى يقصمها الله إذا شاء ، وهذا لفظ البخاري ، وفي مسلم : ” ومثل الكافر كمثل الأرزة ” .

قال ابن بطال – رحمه الله – ” يعنى من حيث جاء أمر الله انطاع له ، ولان ورضيه ، وإن جاءه مكروه رجا فيه الخير والأجر ، فإذا سكن البلاء عنه اعتدل قائما بالشكر له على البلاء والاختبار ، وعلى المعافاة من الأمر والاجتياز ، ومنتظرًا لاختيار الله له ماشاء مما حكم له بخيره فى دنياه وكريم مجازاته فى أخراه ، والكافر كالأرزة صماء معتدلة لا يتفقده الله باختبار ، بل يعافيه فى دنياه وييسر عليه فى أموره ليعسر عليه فى معاده ، حتى إذا أراد الله إهلاكه قصمه قصم الأرزة الصماء فيكون موته أشد عذابًا عليه وأكثر ألما فى خروج نفسه من ألم النفس الملينة بالبلاء المأجور عليه ” . ( ج : 9 ، ص : 373 ) .

فما أبعد تلك القلوب التي لا تفقه نصوص الوحي ولا تتدبرها ، وما أشد بعدها إذا أعرضت عن النظر في كتاب ربها وسنة نبيها – صلى الله عليه وسلم – ، فلا انفتاح للقلوب إلا بالوحي ” أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا “ ( محمد : 24 ) ، ولا فهم أسلم ولا أقوم للمسلم بالنسبة لدينه وواقعه إلا فهما منبثقا من النصوص الربانية التي أوحى الله – عز وجل – بها إلى نبينا – صلى الله عليه وسلم – ، فهي النور لنا يهدينا ويبصرنا بالكون من حولنا ، وهي المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك ، وهي التي تركها النبي – صلى الله عليه وسلم – لنا حتى لا نضل بعده ” إني قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا كتاب الله وسنة نبيه ” . ( صحيح الترغيب والترهيب : 40 ) .
الاتجاه للأنسنة له مخاطره :
وأعني بذلك من يحاولون طمس حقيقة الفارق الهائل بين المسلمين والكافرين في باب البلاء ، فهم يدعون أننا جميعا إخوة في الإنسانية ، ولابد من الألم لألم من يصاب بمصيبة وإن كان من الكافرين – حتى المحاربين منهم – !!!
وهذا تعميم خاطئ له خطورته ، حيث إنه يقضي على عقيدة الولاء والبراء من جهة ، ويهدر نصوص الوحي التي تفرق بين الفريقين ، من جهة أخرى ، بل وحتى يصيب المسلم بالسلبية تجاه إخوانه المسلمين الذين يعتدي عليهم الكافرون ليل نهار ويعملون فيهم القتل والتدمير والتنكيل !
فالإخوة لا تكون إلا بين المؤمنين “ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ “ ( الحجرات : 10 ) ، والمودة والمحبة والموالاة لا تكون إلا للمؤمن ” وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ ” ( التوبة : 71 ) .
وهذا لا يمنع من البر والقسط مع غير المحاربين من الكافرين ، فنواسيهم في مصابهم ، ونحسن صحبتهم ، ونقدم الخير لهم برا وقسطا كما أمرنا ربنا “ لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ “ ( الممتحنة : 8 – 9 ) .
قال الشيخ السعدي – رحمه الله – : ” أي : لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم ، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم ، فليس عليكم جناح أن تصلوهم ، فإن صلتهم في هذه الحالة ، لا محذور فيها ولا مفسدة ، كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلما : ” وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ” ” ( تفسير السعدي ) .

هل نفرح لمصاب الكافرين المحاربين ؟

أما الكفار المحاربون الذين يعتدون على حرمات المسلمين فواجب على المسلمين دفع صيالهم ، والفرح لمصابهم ، ومحاربتهم بجنس ما يحاربون به المسلمين ” وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ” ( النحل : 126 ) ، “ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ “ ( البقرة : 194 ) .
” وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ “ ( الشورى : 40 ) ، قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – : ” إذا رد الإنسان على من ظلمه بمثل مظلمته فإنه لا يكون آثما بل هو عادل ، قال الله – تبارك وتعالى – : (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا) ، وقال تعالى (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ) ، وقال تعالى (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ) ولكن الأفضل العفو والصفح إذا كان صاحبه أهلا لذلك لقول الله – تبارك وتعالى – : ” فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ “ ، أما إذا لم يكون صاحبه أهلا لذلك بأن كان شريرا معتديا على الخلق لو أنه عفا عنه لذهب يظلم آخر فإن الأفضل ألا يعفو عنه ، بل له أن يأخذ بحقه ، بل أخذه بحقه أفضل ، لأن الله – تعالى – شرط في العفو أن يكون إصلاحا فقال : ” فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ “ ، وحينئذ لا يكون العفو مطلقا أفضل من المؤاخذة ، بل هو مشروط بهذا الشرط الذي ذكره الله – عز وجل – وهو الإصلاح . ( فتاوى نور على الدرب : ج 14 ، ص : 157 ) .
وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – في فتوى مسموعة عن تعمد قتل الكفار في الحرب لنساء المسلمين وأطفالهم بأنه : ” إذا قتلوا نساءنا نقتل نساءهم ، وإذا قتلوا أطفالنا نقتل أطفالهم ” .
فلا أقل من الفرح إذا ما ابتلي الكفار المحاربون بفقد نسائهم وأطفالهم حينما يتعمدون قتل نساء وأطفال المسلمين ، كما يفعل اليهود في فلسطين ، والروس في سوريا هذه الأيام ، وكما فعل الأمريكان من قبل في العراق وأفغانستان ، ويجتمعون مع غيرهم من ملل الكفر على حرب المسلمين في الشام الآن .
وقد فرح الصحابة قبل ذلك بنصر الروم على الفرس بعد هزيمتهم سابقا ، مع ما هو معروف من توابع الحروب وتبعاتها على المهزومين من تخريب الديار وسبي النساء والأطفال ، وفرح الرسول – صلى الله عليه وسلم – في قتل أبي جهل ، وكبر تهليلا لذلك ، وفرح الصحابة وهللوا وكبروا لما قتل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – الطاغية عمرو بن ود يوم الخندق .
والنبي – صلى الله عليه وسلم – دعا على رعل وذكوان بعدما غدروا بجمع من خيرة صحابة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فظل يقنت في الصلوات ويدعوا عليهم شهرا كاملا ، ومن المعلوم أن النبي كان بدعائه مريدا لنزول المصائب عليهم بسبب صنيعهم ، ولم يستثن أحدا في دعائه من النساء أو الأطفال أو الشيوخ ، بل دعا دعاء عاما على هؤلاء الغادرين .

ودعا – عليه الصلاة والسلام – أن يمزق الله ملك كسرى لما مزق كسرى كتاب الرسول إليه ، ومعلوم تداعيات تمزيق هذا الملك من التهارج والتقاتل والحروب التي من الممكن أن تنتج عن الصراعات الداخلية ، وهذه الصورة من المؤكد أنها ستفرح من يدعو الله بها لاستجابة الله للدعاء ، ولشفاء الصدر مما فعله ذلك الكافر بكتاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم .
فالفرح لمصاب من يحاربوننا وينكلون بنا جزء من الولاء للمسلمين والبراء من الكافرين ، لاسيما في ظل ما يعاني منه المسلمون من تنكيل عدوهم بهم واستهدافه لكل مسلم وعدم التفريق في ذلك بين النساء والأطفال والشيوخ .

ربما يصيب البلاء جمعا مختلطا من المسلمين والكافرين ، فهل هذا عذاب للمسلمين المبتلين ؟
وهذا واقع ، وقد حدث مرارا و تكرر في مواطن كثيرة ، كمثل أمواج التسونامي التي ضربت شرق آسيا وجنوبها ، بل وصلت إلى بعض سواحل أفريقيا ، وقتل بسببها أكثر من ربع مليون إنسان من المسلمين والكافرين . وقد تسقط طائرات أو تغرق بواخر عليها من المسلمين ذوي الأحوال المختلفة بين الطاعة والمعصية والصلاح والفساد ، كما يكون عليها أيضا كافرون في ذات الوقت .
وقد بينت نصوص الوحي أيضا الحال والمآل لمن قتل في مثل تلك المصائب والابتلاءات ، أو من كانت حاله مشابهة من حيث الاشتراك أو التواجد في نفس مكان المصيبة ووقتها ، فقد صح عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” يغزو جيش الكعبة فإذا كانوا ببيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم ، قالت : قلت يا رسول الله : كيف يخسف بأولهم وآخرهم وفيهم أسواقهم ومن ليس منهم ؟! قال : يخسف بأولهم وآخرهم ، ثم يبعثون على نياتهم ” . ( البخاري : 2118 ) .
قال الإمام النووي – رحمه الله تعالى – : ” أى يبعثون مختلفين على قدر نياتهم فيجازون بحسبها ، وفى هذا الحديث من الفقه : التباعد من أهل الظلم والتحذير من مجالستهم ومجالسة البغاة ونحوهم من المبطلين لئلا يناله ما يعاقبون به ، وفيه : أن من كثر سواد قوم جرى عليه حكمهم فى ظاهر عقوبات الدنيا ” . ( شرح صحيح مسلم للنووي ، ج 9 ، ص : 261 ) .
وقال ابن بطال – رحمه الله – : ” قال المهلب : وفى حديث عائشة أن من كثر سواد قوم فى معصية أو فتنة أن العقوبة تلزمه معهم إذا لم يكونوا مغلوبين على ذلك ؛ لأن الخسف لما أخذ السوقة عقوبة لهم شمل الجميع ” . ( شرح صحيح البخاري لابن بطال : ج 6 ، ص : 250 ) .
فكل بحسب حاله ، فمن كان مسلما موحدا طائعا لله جرت عليه سنة الابتلاء لغفران الذنوب ولقاء الله خاليا منها ، ومن كان عاصيا ربما كان البلاء عاقبة عصيانه ، ومن كان كافرا فالبلاء نقمة ووبال عليه ، يخسر به دنياه وآخرته ، ويبعث يوم القيامة على كفره خالدا مخلدا في نار جهنم – عياذا بالله – .
بين حادثتي قتلى حجاج بيت الله الحرام يوم الرافعة ويوم التدافع بمنى ، وسقوط الطائرة الروسية بسيناء :
ظهر جليا الفرق بين الحالتين ، فقد ابتلى الله – تعالى – المسلمين في الحج بتلك الفاجعة ، التي نسأل الله تعالى أن يغفر لمن قضى نحبه فيها من عباد الله الموحدين ، ومعلوم وجود عدد غير قليل من الشيعة الروافض الذين يظهرون دوما في المناسك ملبين للحسين ولآل البيت من دون الله – تعالى – ، نعوذ بالله من الخذلان ، ومعلوم عن عقيدة الرافضة الغلو في آل البيت حتى أنزلوهم منزلة فوق منزلة الأنبياء والمرسلين – كما تنضح به كتبهم وأدبياتهم – وكما يظهرون الآن عيانا في الواقع بلا تقية في كثير من الأحيان استعلانا وعنادا . فحال هؤلاء – وإن ماتوا في الحج – ظاهر ، فمن كان منهم مشركا يدعو أحدا من دون الله ، بعث على شركه ، ومن كان منهم مبتدعا ضالا بعث على بدعته . وحسابهم جميعا على الله – عز وجل – .
ونحن – ولا شك – نفرح لمصاب هؤلاء الروافض الإيرانيين الذين يظاهرون الطاغية النصيري الكافر بشار الأسد في حربه على المسلمين في الشام ، ويستعلنون بالعداء لأهل السنة والجماعة ، ويرسلون مقاتليهم ليقاتلوا المسلمين هناك مع ذلك الطاغية المجرم .
ولا شك أن نصوص الوحي السابق إيرادها تبين حال هؤلاء ، كما تبين حال من هلك بسقوط الطائرة الروسية فوق سيناء ، فهو إهلاك لهم من الله تعالى ، ويبعثون على كفرهم ، وحزن طغاتهم بهذا المصاب يسعدنا بسبب ما يقومون به من القتل والتدمير والجناية على المسلمين في القوقاز وفي الشام ، وبسبب إعانتهم لطاغية مصر السيسي في قتله وتنكيله بالمسلمين في مصر ، وبسبب حربهم المعلنة على الإسلام والمسلمين في كل مكان ، بل وتاريخهم الحديث لا يخفى فيه إجرامهم ضد المسلمين في العهد البلشفي ، وتهجيرهم لملايين المسلمين من القوقاز إلى سيبيريا ، ليهلكوا هناك عقابا لهم على إسلامهم ، وقمعهم لكل من تسول له نفسه مجرد تعليم أبنائه التوحيد ، حتى كان المسلمون هناك يعلمون أبناءهم الدين في سرية تامة وخوف دائم أن ينكشف أمرهم فيتم التنكيل بهم من قبل الشيوعيين المجرمين !
وكم هم ضحايا الطاغية الروسي بوتين من المسلمين حتى الآن ؟
إنهم بمئات الآلاف ، سواء في القوقاز أم في الشام ، فحتى في عهد الرئيس الروسي بوريس يلتسين الذي أشعل الحرب الأولى ضد المسلمين في الشيشان وقتل منهم عشرات الآلاف ، كان المجرم بوتين وقتها مديرا لجهاز المخابرات الروسية ، وكان من أشد المتحمسين والمشاركين في قتل المسلمين ، حتى أشعل هو بنفسه بعد ذلك الحرب الثانية ضد الشيشان المسلمة ، التي ما زالت قائمة حتى اليوم ، بل وقف ذلك الطاغية في اجتماعات الاتحاد الأوربي مشددا عليهم بضرورة مساعدته في تلك الحرب ، ومطاردة المسلمين في أوربا حتى لا يقيموا الخلافة الإسلامية – على حد قوله آنذاك – .
وقبل كارثة طائرتهم بيوم كان القصف الروسي في سوريا قد أوقع أكثر من مائتي شهيد – نحسبهم كذلك – في دوما وفي غيرها من مناطق الشام ، وذلك القصف الجبان كان مستهدفا لمناطق تجمع المدنيين في الأسواق الشعبية ، ومستهدفا بيوت المدنيين العزل ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .
فاللهم عجل بهلاك كل من يكيد للإسلام والمسلمين وكل من يعين على ذلك ، وأبرم اللهم لهذه الأمة أمر رشد ، يعز فيه أهل طاعتك ، ويذل فيه أهل معصيتك ، ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر ، وتحكم وتسود فيه شريعتك يا رب العالمين .


التعليقات