وخسر هنالك المبطلون

عندما يعرض الإنسان عن الوحى فلا يجعله نبراسا فى طريقه ، و عندما يغفل عن آيات الله و لايتخذها منارات يهتدى بها فى مسيره ، ولا يقيم موازين الحق ليضبط بها حساباته ؟ فلابد أنه سينحرف عن الصراط القويم ، و يجنح إلى سبل الهلاك ، فتفسد حساباته و يعود بالخسران المبين .

إن حسابات الجاهلة يبنوها على شفا جرف هار من أمانى الدنيا و ظواهرها الخداعة و زخارفها البالية ” يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ” فتهوى بهم هذه الحسابات فى مكان سحيق و قعر بعيد .

أكثر الناس يجعلون ميزان الحق هو القوة ، فمن امتلك صورة من القوة الظاهرة صار معه الحق ، و لزم الانحياز إليه و متابعته طعما فى عز متوهمه و سلامة مرجوة ” وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ” هكذا كانت حساباتهم فإلى أى مصير أودت بهم ؟ ” وَتِلْكَ عَادٌ جَحَدُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَعَصَوْاْ رُسُلَهُ وَاتَّبَعُواْ أَمْرَ كُلِّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ (59) وَأُتْبِعُواْ فِي هَـذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ .

بالرغم أن الحق أبلج و حجته واضحة بينه لا تخفى على أحد، إلا أنهم تشبثوا باتباع كبرائهم ، وخرجوا يهتفون باسم الفرعون الذى له ملك مصر وهذه أنهارها تجرى من تحته،فحتما هو يعلم مايصلحهم ولا يهديهم إلا سبيل الرشاد ” لَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ( 96) إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاتَّبَعُواْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ( 97 ) يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ( 98 ) وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ ( 99) ”

و كما خلت حسابات الأتباع خلعت الكبراء و الطغاة ، لقد استحقروا دعاة الحق و رادوا رسلهم و صدوا عن سبيلهم ، وأنى لهم أن يتبعوهم و ليسوا من عظام القوم ، لذا لا يمكن أن يكون الحق من جعبتهم مهما كان جليا ” وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30) وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (31) الزخرف ، وكيف يتساون مع أتباع الدعاة ؟!

” وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ” هود 27 ، كيف لهم أن يستحبوا لدعوتهم وهم خير منزلا و أكبر جاها و أكثر أنصارا و أعوانا ؟! ، ” وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آَيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا (73) وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا (74) .

و إذا بارت حسابات المجرمين حين ردوا آيات الله و رسله، فإن حساباتهم قد بارت عندما ظنوا” أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ” الحشر 2 ،لقد حسبوا أن جمعهم لهم حرزا، وجندهم لهم منعة ” قُلْ مَن كَانَ فِي الضَّلَالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَٰنُ مَدًّا ۚ حَتَّىٰ إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا (75 ( مريم ، ” جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ ” ص 11 ، أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُم مِّن دُونِ الرَّحْمَٰنِ ۚ إِنِ الْكَافِرُونَ إِلَّا فِي غُرُورٍ (20 ( الملك ، فجمعهم مهما بلغ قليل، و فئتهم مهما كثرت ضعيفة عاجزة، ” سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ (45) بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (46)( القمر ، ” وَلَن تُغْنِيَ عَنكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ” الانفال19 .

لقد جعل الله للطغاة و أتباعهم آية فلم يتعظوا، و أهلك أمام ناظرهم فرعون فلم يعتبروا، و ظنوا أنهم قد يكونون أشد حذرا، فلا يؤخذون بغتة كما أخذ، و أن بوسعهم الإفلات من قضاء الله ، و ماعملوا أن الله أهلك من هم أشد قوة و أكثر أمالا و أولادا. فعلى الرغم أنهم شاهدوا أمواج الطوفان العاتية تطيح برؤوس الطواغيت و رأو الغرقى و الهلكى في كل مكان ، إلا أنه لماقيل لأحدهم ” يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ المَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ اليَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا المَوْجُ فَكَانَ مِنَ المُغْرَقِينَ ﴾ هود

كثيرا ما نصحهم أهل العلم و الإيمان ، و أنكروا عليهم طاعتهم و انقيادهم للجبابرة ، و هم بشر مثلهم ” أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (191) وَلَا يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (192( الأعراف ، و أنذروهم أن مآل هذا الطريق هو الخسران كل الخسران ، لكنهم لم يفقهوا عنهم حتى جاء أمر الله الحاكم و بطشه القاسم ” وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ (80) فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ (81) وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (82) القصص .

بالأمس القريب كانوا يسخرون من أهل الإيمان و من سعيهم و انقيادهم لأمر الله و انتظارهم لوعهده سبحانه ” وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ ” هود 38 ، لقد تعجبوا من استعلائهم أمام الباطل المنتفش ، وتحديهم لآلة الطغيان الرهيبة، مع ما بهم من ضعف عدة و عتاد فأى ثقة و جرأة لمن يقف أمام الجبروت صارخا:” إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ (196) وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ (197 ( الأعراف .

هاهم المعرضون عن أمر الله يراقبون صنيع المؤمنين و هم يتعجبون، ينظرون إليهم ما بين مشفق و متشف كيف يندفع هؤلاء إلى حتفهم و هلاكهم ؟! فقد ظنوا بحساباتهم أن الطريق الذى سلكه المؤمنين لاعودة لسالم منه، ولا نجاة لسائر فيه ” بَلْ ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَى أَهْلِيهِمْ أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ وَظَنَنتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَكُنتُمْ قَوْمًا بُورًا ” الفتح 12 ، ” وَإِنْ يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ ” الأحزاب 20 ، لقد حذر المجرمون أتباع الحق أن في استمتاتهم لهذه الدعوة الخسران كله ، فمن ياترى قد خسر من الفريقين ؟ ” وَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ (90) فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91) الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْبًا كَانُوا هُمُ الْخَاسِرِينَ (92 ( الأعراف

ومع أن آيات الله واضحة بينة سواء في كتابه المقروء المنزل على رسوله أو كتابه المشاهد في الأمم و الجابرة ، إلا أن هؤلاء المجرمين لم يتعظوا ؟! فضلت حساباتهم وفسد تقديرهم

” فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ (45) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آَذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (46 ( الحج ، فأنى لهم أن ينتفعوا بالآت و أن يفقهوها و يعتدوا بها و قد عتميت قلوبهم فلم تعد تبصر نور الحق ” قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآَيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (102) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103 ( يونس .

أما المؤمن فإنه يرى بنور الله ، فعلم الحقيقة من أول لحظة، وصحت حساباته و ربح بيعته و رضى بغز السير فى ثقة وقد رسخت قدماه على طريق الحق و عيناه ترمث النصر القريب .

” وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (120) وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ 123-هود


التعليقات