خريطة المنطقة ما بعد مصر

يرجى ملاحظة أن هذه المقالة من المقالات القديمة التي لا يتطابق تاريخ نشرها على الموقع مع تاريخ نشرها الفعلي

من المعلوم أن مصر هي جمجمة العرب، والعمود الفقري للأمتين العربية والإسلامية حقًا، ولذلك تجري محاولة إجهاض الثورة في موطنها الأخطر في مصر، لضمان استمرارها كالتائهة في عجلة التبعية، الصهيو أمريكية، وذلك بتحطيم مقدراتها في الداخل، وبقاء انحيازها بعيدًا عن الإيقاع الإسلامي والعربي والأفريقي، وهذه في الحقيقة هي عناصر قوتها وتفوقها الأساسية.

فمصر لم تكن دولة كبرى يومًا بمساحتها ولا باقتصادها ولا بشيء آخر، وإنما كانت كذلك بعمقها التاريخي والجغرافي وريادتها السياسية، وقوتها البشرية

فمصر لم تكن دولة كبرى يومًا بمساحتها ولا باقتصادها ولا بشيء آخر، وإنما كانت كذلك بعمقها التاريخي والجغرافي وريادتها السياسية، وقوتها البشرية، ولذلك قلت ومازالت، إن مصر هي سقف العالم، وليس هذا تعبيرًا مجازيًا صرفًا، فدمار مصر لا قدر الله سيعني دخول العالم كله إلى حالة من الاضطراب والقلق ربما تمهيداً لانفجاره، وهذه حقيقة واقعية لا تعبيرًا بلاغيًا، فنحن سنبقى مركز قارات العالم وملتقى بحاره، عبر خليج السويس والبحر الأحمر والمتوسط، كامتداد طبيعي للمحيطين الهندي جنوبًا والأطلسي غربًا.

كما أن مصر هي مركز التجارة العالمي، بل إن شئت قلت: أنها هي سرة العالم العربي وبؤرة العالم الإسلامي، وكذلك فإنها رائدة الشمال في القارة السمراء، وقد كانت مصر هي حائط الصد في مواجهة الصليبيين والتتار وكل أعداء الأمة قديمًا وحديثًا، كما ستبقى عمق الحضارة البشرية كأول دولة مركزية في تاريخها عبر سبعة آلاف عام بموروثها الحضاري.

مصر إذن هي السياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والجغرافيا والمكان والإنسان، هذه هي مصر.

مصر إذن هي السياسة والاقتصاد والاجتماع والتاريخ والجغرافيا والمكان والإنسان، هذه هي مصر.
وهي بهذا المعنى، وبهذا فقط، ستبقى هي الرائدة والكبيرة والعظيمة، وعندما يتم نزعها من هذا المحيط وتحويل هذه المقدرات لا لخدمة أبعادها الاستراتيجية في أفريقيا وبلاد العرب وأمة الإسلام، بل لخدمة المحور الأمريكي الصهيوني، عندها فقط تفقد مصر دورها الريادي وتصير دولة لا قيمة لها لا سمح الله.

وهذا هو ما حاول أن يفعله الدكتور مرسي في الاتجاه نحو إيران وتركيا، لكنه لم يستطع تسويق ذلك بالشكل المناسب، ومن عارضوه بإثارة قضية الشيعة وغيرها في تدعيم العلاقات مع إيران، إنما فعلوا هذا لعرقلة هذا التحرك، ولم يكن نظامه قد تحرر بعد من أسر الدولة العميقة الرابضة تحت السطح، وفي كل مفاصل الدولة، إذ لم يكن قد اتخذ ضدها ما يجب من قرارات مفصلية أو يفرض سيطرة حقيقية على زمام الدولة، ورغم محاولته تغيير خارطة العلاقات في الخارج، فقد كان مازال ضعيفًا أمام الارتباطات والضغوط الأمريكية والغربية والصهيونية.

وأما بالنسبة لفلسطين، فمن الواجب أن ندرك أن ما يجري في مصر ودول الربيع العربي، قد استغل كنوع من الإلهاء بالفعل لحيازة المكاسب الأكبر تاريخيًا لصالح العدو الصهيوني، خاصة في القدس الشريف، فقد منحت إسرائيل كرسيًا باباويًا في جبل صهيون لبندكتوس بابا الكاثوليك الأسبق، في المكان الذي يزعمون أن العشاء الأخير، للسيد المسيح، عليه السلام، كان فيه قبل أن يرفعه الله إليه، قبل أن تُفرض عليه الاستقالة الجبرية، في سابقة هي الأولى من نوعها، ليتسلم مكانه فرانسيس البابا الجديد، وهو بحسب ترتيبه وفي اعتقاد كثير من اليهود والنصارى، سيكون هو الأخير في كرسي الباباوية، ليخرج بعده المسيح الدجال.

إذن فهناك تحرك سياسي تحركه أبعاد عقائدية، والعجيب من خصومنا أنهم يبنون سياساتهم هذه على الأبعاد الغيبية، حسب ما يؤمنون به، بينما يأبون علينا هذا، مع أننا نمتلك النبوءات السابقة والدين الصحيح.

وعلى الصعيد الواقعي، فقد قام أشهر الأندية الرياضية الأوربية، وهو نادي برشلونة بزيارة إلى ما يسمى بدولة إسرائيل، حيث جرى تبادل تسليم الكرة، في خطوة رمزية، بين نجمه الأشهر ميسي وشيمون بيريز، بينما كانت تجري وفي نفس الوقت، مفاوضات سرية، لم ينتبه إليها أحد بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني حول القدس، وبشكل منفرد لأول مرة، مما يدعونا لأن نزعم وبمنتهى الثقة، أن زلزال مصر إنما كانت بؤرته في القاهرة وضرباته في القدس.
وأما فيما يخص المشكلة السورية، فلابد أن نقول أن مصر والشام هما الأعظم خطرًا في الأمتين العربية والإسلامية، وأقوى جيوشهما، وأشدها تسليحًا، وأقدر الشعوب على المواجهة والقيادة، وهما من دول الطوق حول إسرائيل، وإذا كان المراد هو تدمير سوريا، فقد كانت هناك فرصة كبيرة بالفعل، لكي تساهم مصر في حل القضية السورية، ورغم أن سوريا ليست في قوة مصر بشريًا أو إنسانيًا أو حضاريًا، إلا أن في اجتماعهما معًا، ما قد يرفع الهيمنة عن أمتنا برمتها، بل لا أبالغ إذا قلت أنه قد يخط طريقًا إلى القدس.

وبالنسبة لتركيا، فمن الواضح أن القوى الغربية المعادية تسعى جادة، بل دشنت بالفعل، حركة شبيهة بحركة تمرد المصرية، لإحداث حراك شعبي فيها، والله وحده أعلم إلى ما قد يؤدي ذلك، رغم أن الحكومة التركية والحركة التي ينتمي لها أردوغان أو الحزب الحاكم هناك، هي حركة قوية وواعية واستباقية جدًا، لكننا أيضًا لا ندري ما قد يحدث في ظل وجود قوى علمانية متطرفة، وتكالب العالم عليها، خاصة بعد أن جهر أردوغان والنظام التركي الحالي بالولاء للتاريخ والعمق العربي والإسلامي، فعلى هذا تبقى كل الاحتمالات مفتوحة في تركيا، لكنني اتوسم خيرًا أن مصر ستتعافى، وستعيد الأمور لنصابها قبل أن يحدث هذا، مما سيعود على النظام التركي بتوطيد أركانه.

 أن الشعب المصري سيكون أكثر قوة، بعدما يخرج من هذه المحنة، وبعد هذه الدماء وأكثر تمسكًا بثورته، وأكثر دعمًا للثورات العربية والإسلامية والأفريقية.

وأري أن الشعب المصري سيكون أكثر قوة، بعدما يخرج من هذه المحنة، وبعد هذه الدماء وأكثر تمسكًا بثورته، وأكثر دعمًا للثورات العربية والإسلامية والأفريقية.

فالواجب بعد هذه المرحلة، أن تتخذ مصر مواقف جيدة وداعمة للعمق الأفريقي، مع محاولة حل أزمة سد النهضة مع أثيوبيا وديًا ما أمكن، وإن لم يمكن فلابد من الخيار العسكري بلا تعارض بين الأمرين، أي بين دعوتنا للعودة للعمق الأفريقي وحل مشكلة السد الأثيوبي، ولو بالقوة، فأفريقيا مازالت أوسع كثيرًا من أثيوبيا على أية حال.

ولا أعني هنا أن نشن حربًا على الشعب الأثيوبي، وإنما أعني إسقاط سد النهضة، ولو بهذه الطريقة، لأنه سيعود على مصر بآثار خطيرة سياسيًا واقتصاديًا ومجتمعيًا.

أما بعض دول الخليج، فهي للأسف تعمل لصالح ضرب وحدة الشعب المصري واستقراره

أما بعض دول الخليج، فهي للأسف تعمل لصالح ضرب وحدة الشعب المصري واستقراره، فقط لأنها تخشى من مد الثورات المغربية، والتي عصفت ريحها في الشرق، وعندما تنجح الثورة المصرية إن شاء الله وتنتهي موجة الثورة المضادة العاتية، فإن زلزال الثورات العربية سينتقل ولابد إلى خليج العرب.


التعليقات