“وإن ضرب ظهرك وإخذ مالك، فاسمع وأطع ”

حديث: (وإن ضرب ظهرك وإخذ مالك، فاسمع وأطع)، ليس المقصود منه النهي عن محاولة المواطن استرداد حقه من الحاكم.. بل المقصود هو التمييز بين شخص الحاكم وبين الدولة كشخصية اعتبارية مستقلة في وجودها عن الحاكم.

لقد كان مفهوم الدولة غريبا على العرب، لم تكن العرب تعتاد وجود سلطة أو مؤسسة تقوم بوظيفة ضبط المجتمع، فكان من المتوقع وفق طريقة التفكير القبلية، أن تتأثر علاقة كل فرد بالدولة بعلاقة كل فرد بالحاكم كشخص، فيرفض الامتثال لقوانين الدولة مثلا لوجود شحناء أو ثأر بينه وبين الحاكم أو قبيلته.
فكان لا بد من توجيه نبوي خاص بهذا الأمر يؤكد على التمييز بين الدولة وبين الحاكم كشخص، فالدولة يجب ان تكون قوانينها ملزمة للكافة حتى لأي مواطن قد يكون ضحية لفساد سياسي أو استغلال نفوذ من الحاكم.

وهذا أمر معمول به في أرقى ا لمجتمعات الحديثة من ناحية التنظيم والإدارة، فأحدهم يقع تحت ظلم جهات سيادية، فلا يمنعه ذلك من التزام قوانين الدولة ودفع الضرائب المستحقة عليه والالتزام بسائر قوانين الدولة.

أما مسألة الحق المغصوب

فليس في النص ما يمنع من محاولة استرجاعه، وذلك مشمول في الحديث: (من مات دون ماله فهو شهيد)، ومتروك لقدرة وإرادة المجتمع على محاسبة حكامه، تلك القدرة التي تنامت مع التقدم التقني للبشرية وتضاؤل نفوذ الدولة.

أما لو كان الفساد عاما

بحيث يوصف النظام بأنه نظام فاسد، فالثورة هنا واجبة، والتوجيه القرآني المتعلق بتلك المسألة هو قوله تعالى ” وَلَا تُطِيعُوا أَمْر الْمُسْرِفِينَ الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْض وَلَا يُصْلِحُونَ ” 

تحديد فترة الرئاسة

أيضاتحديد فترة الرئاسة وعدد فترات الرئيس هو أمر لا يتنافى مع التصور الإسلامي للدولة، فإنه إذا كان من حق الأمة عزل الرئيس لفساده، فمن حقها أيضا تحديد مدة رئاسته درءا لفساد محتمل.
عدم توصل المجتمع الإسلامي في عصوره الأولى إلى هذا ليس بسبب قصور من الشريعة، لكن بسبب قصور طبيعي في المجتمعات البشرية آن ذاك فيما يخص علاقتها بالحاكم عموما.
سكوت الله سبحانه عن شكل الحكم وتفاصيله صدر عن حكمة، ففكرة الدولة فيالإسلام هي أنها وسيلة الأمة في إخضاع نفسها لحكم الله، ولما كانت الدولة فعل الأمة، كان من اللائق سكوت الله سبحانه عن هذا الأمر.

كون من سبقونا إلى هذا الأمر، بحكم التاريخ، ليسوا مسلمين لا يعني أن غير المسلمين هم أقرب منا إلى الهداية، لأن تحصين المجتمع ضد ظلم الحاكم مع بقائه دون هداية، قد يكون تحصينا لمجتمع ظالم من حيث قيمه وتصوراته وسلوكياته، يدل على ذلك أن السلوك الاستعماري وغطرسة القوة لديه وانحلاله الأخلاقي هي حقائق تزامنت في وجودها مع تراجع سطوة السلطة على المجتمع داخليا. أما المجتمع المسلم فرغم أن قدرته على تقييد السلوك الشخصي للحاكم، إلا أنه غير نظرة الإنسان إلى نفسه، وقدم نموذجا حيا في تصالح الإنسان مع ذاته ومع الله.


التعليقات