هؤلاء ليسوا حكاما … وهذا ليس خروجا

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:-

فمن أكثر الكلمات مرورا على أذهاننا في المدة الماضية (الخروج على الحاكم) وللأسف الكثيرون ممن يرددونها لا يعرفون معناها ونحاول في هذه الكلمات أن نوضح من هو الحاكم وما هو الخروج.

أولا: الحاكم أتى في النصوص على معنيين الأول:

(المشرع) وهذا من خصائص رب العزة جل وعلا {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} وفي الحديث “إن الله هو الحكم“

الثاني: (المبين لأحكام شريعة قائمة) كما في قوله تعالى: {وأن احكم بينهم بما أنزل الله} ، وهذا للأنبياء ثم للعلماء الذين حصلوا أدوات الاجتهاد ففي الحديث “إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر” ولذلك اشترط جمهور الفقهاء في الإمام الأعظم أن يكون مجتهدا حتى قال الشاطبي: (إن العلماء نقلوا الاتفاق على أن الإمامة الكبرى لا تنعقد إلا لمن نال رتبة الاجتهاد والفتوى في علوم الشرع) ، والفارق بين الأنبياء وغيرهم في هذا الأمر هو العصمة.

– والحاكم في تعريفات أهل العلم [الخليفة ، الإمام ، الأمير ، ولي الأمر]: (نائب عن النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الدين وإدارة شئون الدنيا بالدين)

قال الماوردي: (الإمامة موضوعة لخلافة النبوة في حراسة الدين وسياسة الدنيا به) وأجمع من ذلك تعريف ابن خلدون للخلافة: (الخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية و الدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين و سياسة الدنيا به)، ومن هنا يظهر أن هذا المنصب قبل أن يستمد قدسية لابد أن يستمد الشرعية ، فقولهم (نيابة عن النبوة) يدل على أن لهذا المنصب مقاصد إذا وجدت استمد القدسية وهي استحقاق الطاعة وحرمة شق العصا والخروج عليه.

– وعليه.. هل يصح أن نصبغ هؤلاء الحكام بالصبغة الشرعية دون أن يتحقق المقصد من وجودهم؟! أو هل يجوز الكلام عن حقوق هؤلاء المسيطرين على الحكم بقوة السلاح دون الكلام عن الشروط الواجب توافرها فيهم وعن واجباتهم تجاه شعوبهم؟! وكيف يكون المحارب لدين الناس ، المضيع لحقوقهم ، الناهب لثرواتهم.. حاكما شرعيا عليهم؟! رحمَ الله أئمة العلم والفقه الذين كانوا يشترطون قيام الحاكم بما عليه قبل أن يذكروا ما له ، وأكتفي بنقل واحد فقط قال أبو يعلى: (وإذا قام الإمام بحقوق الأمة ، وجب له عليهم حقان: الطاعة والنصرة ، مالم يوجد من جهته ما يخرج به عن الإمامة) فشَرَط أن يقوم بحقوق الأمة أولا ، وختَمَ بعدم وجود ما ينقض إمامته،، فكيف إذا لم تكن شروط الإمامة موجودة أصلا ، وأضاف إلى ذلك تضييعه لحقوق الأمة؟!؟!

ثانيا: الخروج

قال الخطابي رحمه الله: (ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم والجهاد معهم وأداء الصدقات إليهم وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف أو سوء عشرة وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم وأن يدعى لهم بالصلاح وهذا كله على أن المراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين من أصحاب الولايات)

وقال النووي رحمه الله: (وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين)

وقال شيخ الإسلام رحمه الله: (وَنَرَى الدُّعَاءَ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ بِالصَّلَاحِ وَالْإِقْرَارِ بِإِمَامَتِهِمْ، وَتَضْلِيلَ مَنْ رَأَى الْخُرُوجَ عَلَيْهِمْ إذَا ظَهَرَ مِنْهُمْ تَرْكُ الِاسْتِقَامَةِ، وَنَدِينُ بِتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ وَتَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ).

– الملاحظ في كلامهم تقييد الخروج بالسيف كما في كلام (الخطابي) أو القتال (النووي) أو الجمع بينهما (شيخ الإسلام) وهذا القيد هو الموافق للأدلة ففي صحيح مسلم عن عوف بن مالك رضي الله عنه عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم) قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف عند ذلك قال: (لا ما أقاموا فيكم الصلاة لا ما أقاموا فيكم الصلاة ألا من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة)

– أما ما دون السيف فلا يعد خروجا بل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب بالوسيلة المتاحة ولذلك قال الإمام أحمد رحمه الله: (التغيير باليد ليس بالسيف والسلاح) واستدل الحافظ ابن رجب على ذلك بالحديث الذي رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: (ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) قال ابن رجب: (وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد)

– أما اللسان وهو أهون من اليد بلا شك فقد قال النووي: (باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع وترك قتالهم ما صلوا ونحو ذلك) عن أم سلمة أن رسول الله قال: (ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا) وقال أيضا في باب عقوبة من يأمر بالمعروف ولا يفعله وينهى عن المنكر ويفعله: (وفيه الأدب مع الأمراء واللطف بهم ووعظهم سرا وتبليغهم ما يقول الناس فيهم لينكفوا عنه وهذا كله إذا أمكن ذلك فإن لم يمكن الوعظ سرا والإنكار فليفعله علانية لئلا يضيع أصل الحق)، وروى مسلم عن طارق بن شهاب قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان فقام إليه رجل فقال: الصلاة قبل الخطبة فقال قد ترك ما هنالك فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان).

– وعليه.. فالمقصود بالخروج الممنوع هو الخروج بالسيف لما يترتب عليه من إراقة للدماء وانتشار للفتن والفوضى، أما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر للأمراء والحكام الظلمة فهو دأب العلماء والصالحين على مدار التاريخ وقد تعرضوا جميعا لبطش السلطان بسبب تنفيذهم لأمر الله وأمر رسوله (صلى الله عليه وسلم). …

وخلاصة القول: أن هؤلاء ليسوا هم الحكام الشرعيين الذين يُمنَع الخروج عليهم ، وليس هذا الذي نفعله هو الخروج الذي جاءت النصوص بمنعه.


التعليقات